ما أجمل الطفولة...حيث تنبع البراءة

ما أجمل الطفولة...حيث تنبع البراءة
ما أجمل الطفولة...حيث تنبع البراءة

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

شخصيات لاتنسى

عبد الرحمن الرافعى.. بين الوطنية والتأريخ للحركة القومية




عبدالرحمن الرافعي


عبد الرحمن الرافعي شخصية مصرية هامة، عندما يذكر اسمه نتذكر معه حياة حافلة جمعت بين شقيها الوطنية والتاريخ، فيأتي عبد الرحمن الرافعي لينضم لفئة المؤرخين الذين سعوا من أجل المحافظة على التاريخ، فدون فترات هامة منه وأصدر العديد من المؤلفات القيمة في ذلك، فقدم سلسلة حول تاريخ مصر بدءاً من عهد الحملة الفرنسية، حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، هذا إلى جانب كونه أحد زعماء الحركة الوطنية بمصر، ويأتي اليوم الثامن من فبراير ذكرى ميلاده لنتذكر احد شخصيات مصر الثرية.



النشأة والعائلة


ولد الرافعي في الثامن من فبراير 1889 بحي الخليفة بالقاهرة، والدته هي السيدة حميدة محمود رضوان توفيت وهي مازالت شابة فلم تتجاوز الخامسة والثلاثين، وكان عبد الرحمن حينها في الرابعة من عمره، ويفتتح الرافعي كتابه "مذكراتي" بالحديث عنها، أما والده فهو الشيخ عبد اللطيف الرافعي يرجع أصله إلى الحجاز فهو من سلالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولذلك سمي بالفاروقي وهو من علماء الأزهر، تولى مناصب القضاء في عدد من المدن المصرية، وعمل مفتياً لثغر الإسكندرية وبقي في هذا المنصب حتى إحالته للمعاش، وكان لعبد الرحمن ثلاث أشقاء أحمد، أمين، وإبراهيم.



تشكل وطنيته


بدأ الوعي الوطني يتشكل في عقل الرافعي تدريجياً وبداية من سن الخامسة عشر فمن خلال تردده على احد قهاوي رأس التين وقراءة الصحف اليومية مثل صحيفة اللواء لمؤسسها الزعيم الوطني مصطفى كامل بدأت تتكون عنده خلفية عن أوضاع البلاد السياسية، ودعم هذا أحاديث أستاذه في المدرسة الثانوية والذي كان احد الوطنين ويدعى عثمان بك لبيب، فكان يلقي على أذان الطلبة الأحاديث الوطنية ويحفز فيهم الحس الوطني ويطعن في سياسة الإنجليز.


ازداد الوعي الوطني للرافعي عقب دخوله مدرسة الحقوق، فبدأ في قراءة الصحف بتمعن ووعي أكبر، كما تشكلت اجتماعات بين الطلبة للحديث عن السياسة وأحوال البلاد في ظل الاحتلال البريطاني، وأصبحت "قهوة الحقوق" بشارع عابدين مقر رسمي يلتقي فيه الرافعي مع أصدقائه للحديث وقراءة الصحف مثل المؤيد، واللواء والأهرام.

وكان الرافعي أثناء دراسته في الحقوق أحد أعضاء نادي المدارس العليا، والذي أفتتح عام 1906، وكان يجمع بين أعضاؤه الطلبة والخريجين وقد ساعدت الاجتماعات التي كان يعقدها في زيادة النضج العلمي والثقافي للشباب المشاركين به، وقد ظل الرافعي أحد أعضاؤه إلى أن أغلق بأمر السلطة العسكرية عام 1914، كما كان الرافعي أحد أعضاء الحزب الوطني.




مصطفى كامل قدوة الطلبة

يقول الرافعي عن جريدة اللواء "أنها كانت بمثابة المدرسة بالنسبة له والتي تلقى عنها مبادئه الوطنية"، وكان صاحبها مصطفى كامل مثل أعلى للرافعي وغيره من الطلبة في معاني الوطنية، وكان أول لقاء بينه وبين مصطفى كامل في عام 1906 عندما سمع حديثه أثناء إضراب طلبة الحقوق، وتردد الرافعي كثيراً على جريدة اللواء ليقابل كامل ويستمع لأحاديثه والتي غرست في نفسه مبادئ الوطنية.


وفي عام 1907 عرض عليه الزعيم مصطفى كامل إرساله في بعثة صحفية إلى باريس للتخصص في الصحافة عقب حصوله على إجازة في الحقوق، ولكن توفي الزعيم عام 1908 قبل تخرجه من المدرسة، وكان لوفاته اثر رهيب على الرافعي وكل طلاب المدارس العليا والثانوية وشارك الجميع في تشييع جنازته، واعتبر هذا اليوم يوم حداد عام في جميع المدارس.


وينعكس مدى تعلق الرافعي بمصطفى كامل من خلال كتابه عام 1939، والذي قام الرافعي بإهدائه إليه قائلاً " إلى من كانت حياته للأمة بعثاً وطنياً، من كان لي أبا روحياً، وسأبقى له تلميذاً وفياً من علمني أن الحياة بغير المثل العليا، عرض زائل، وعبث ضائع، إلى مصطفى كامل اهدي كتاب "مصطفى كامل" هدية الوفاء إلى روحه العظيمة".


أولى مقالاته


عقب وفاة الزعيم مصطفى كامل تولى محمد فريد زعامة الحركة الوطنية، وبدأت علاقة الرافعي تتوطد به فتلقى عنه المبادئ الوطنية مثلما تلقاها من مصطفى كامل، وبدأ يكتب في "اللواء" في عهده وهو مازال طالباً في مدرسة الحقوق، وكانت أولى مقالاته في الصحف تحت عنوان "تبدد الشعور الوطني وتجمعه" بعد وفاة مصطفى كامل بشهر، ومما قاله فيها عن وفاة الزعيم:


"كانت وفاته كشعلة من نار مست الشعور الوطني وأصابت منه موضع الإحساس والتأثر، فأنفجر وظهر بمظهر لم يكن احد منا يتنبأ به ولا يزال في نمو وازدياد".



الحياة العملية


قيد الرافعي بجدول المحاماة عقب تخرجه ولم يكن قد بلغ العشربن بعد، وعمل بالمحاماة في أسيوط شهراً واحداً حيث تدرب في احد مكاتب المحاماة، ولم يشعر الرافعي بالارتياح في ظل عمله بالمحاماة فتطلع لعمل أخر يتفق مع أماله وطموحه، وتحقق هذا عندما دعاه محمد فريد للعمل بالصحافة كمحرر بجريدة اللواء.


انطلق الرافعي في مجال الصحافة فكان يكتب المقالات ويترجم إلى اللغة العربية مقالات إسماعيل شيمي بك أحد أعلام الحركة الوطنية، وكان محمد فريد يثني كثيراً على كتابات الرافعي، مما شكل دعم وتحفيز له.


مقالاته



مال الرافعي في كتابته لمقالاته إلى أسلوب المقالات المتسلسلة والتي تتحدث عن موضوع واحد، وكان هذا بداية لميله إلى التأليف، حيث وجد أن المقالة الواحدة لا تتسع للموضوع الذي يفكر فيه، وكانت أولى سلسلة لمقالاته كانت عن الدستور، وجاءت بعنوان "أمالنا في الدستور"، ثم توالت مقالاته بعد ذلك عن الحياة الاقتصادية والخطر الذي يهددها، وعن الاحتلال السياسي والاقتصادي، والانقلابات الاقتصادية وغيرها.


وكان الرافعي أحد أعضاء الحزب الوطني اللذين تطوعوا للتدريس بمدارس الشعب وهي مدارس ليلية أنشأها الحزب الوطني لتعليم الفقراء والعمال مجاناً، وكانت مدارس الشعب هذه هي من ألهمت الرافعي فكرته لتأليف كتاب "حقوق الشعب" والذي جاء عبارة عن سلسلة دروس ومحاضرات لتفهيم الشعب حقوقه وواجباته.


مساهماته الوطنية واعتقاله



شارك الرافعي في العديد من المؤتمرات الوطنية باعتباره أحد أعضاء الحزب الوطني، وكانت هذه المؤتمرات تعقد سنوياً وتجتمع بها الجمعية الوطنية للحزب ويستعرض فيها محمد فريد تطورات الحركة الوطنية.


وصحب الرافعي محمد فريد إلى أوروبا في سبتمبر 1911 لحضور مؤتمر السلام بروما، وفي خلال هذه الرحلة زار عدد من الدول الأوروبية مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا والنمسا وكتب خلال سفره عدد من المقالات سجل بها مشاهداته وخواطره أثناء السفر، كما أرسل عدد من المقالات أثناء سفره وتم نشرها منها "الوطنية والإنسانية وكيف يفهمونها في أوروبا"، و"يومان في مجلس المبعوثان" وغيرهما.




بعد اشتعال الحرب العالمية الأولى في يوليو 1914 أعلنت السلطة العسكرية البريطانية الأحكام العرفية على مصر أثر دخول تركيا الحرب ضد الحلفاء، وفي ديسمبر 1914 أعلنت الحماية البريطانية على مصر، وتولت السلطة العسكرية حكم البلاد في هذه الفترة وبدا اضطهاد الحزب الوطني ومطاردة رجاله فضبطت أوراقه ودفاتره، وتم مطاردة رجاله واعتقالهم، ونفي عدد منهم، وكان الرافعي من ضمن الأعضاء الذين تم اعتقالهم في أغسطس 1915، وأودع سجن الاستئناف بباب الخلق، ثم تنقل بين السجون هو ومن معه من المعتقلين الوطنين حتى أفرج عنه في النهاية بعد عشرة أشهر من الاعتقال في يونيو 1916.


شارك الرافعي في ثورة 1919 والتي اشتعلت جذوتها عقب اعتقال الزعيم سعد زغلول وشارك فيها جموع الشعب المصري عامة في تضامن رهيب، وعلى هامش الثورة وقعت مظاهرات بالمنصورة قتل فيها 19 من المتظاهرين، وكان الرافعي احد المهددين بالضرب بالرصاص من قبل قائد القوة العسكرية البريطاني في حالة حدوث المزيد من المظاهرات في المنصورة، وكان الرافعي حينها في القاهرة ولكنه لم يخشى التهديد وقرر الذهاب للمنصورة متضامناً مع الشعب وتحمل مشاق السفر النهري، لأن السكك الحديدية بين المدن قد قطعت هي وباقي وسائل المواصلات.



ومن المواقف السياسية للرافعي معارضته لمعاهدة 1936 والتي اعتبرها تضليل للأمة، وقام بوضع بحث مفصل في مساؤي المعاهدة وإظهارها على حقيقتها وجاء البحث تحت عنوان "استقلال أم حماية" وتم نشر رسالته في الأهرام في 26 ديسمبر 1936.




في البرلمان


تم انتخاب الرافعي نائباً في البرلمان عن دائرة المنصورة عام 1924، وذلك في تأييد شعبي كبير له، متفوقاً على مرشح الوفد، وكانت هذه هي أول انتخابات تم إجرائها تبعاً لدستور 1923، وتولى رئاسة المعارضة بمجلس النواب على نهج مبادئ الحزب الوطني، ووقعت بعض المصادمات بينه كزعيم للمعارضة وبين أعضاء حزب الوفد.


جاءت بعد ذلك استقالة سعد زغلول من رئاسة الحكومة، فتألفت وزارة زيور باشا وصدر مرسوم بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة، وتمكن الرافعي من الفوز بالانتخابات مرة أخرى عام 1925، إلا أن المجلس حل في نفس يوم انعقاده.


وحدثت حالة من عدم الاستقرار في الحياة النيابية في الفترة اللاحقة وعطلت لحوالي ثمانية أشهر، وانسحب الرافعي من الترشيح لمجلس النواب، وظل بعيداً لمدة 13 عام ثم ما لبث أن عاد مرة أخرى كعضو منتخب بمجلس الشيوخ عام 1939 وظل به حتى انتهت عضويته عام 1951م.




تأريخ الحركة القومية


عشق الرافعي التاريخ وأبرز أهمية أن يتعلم الشعب بمختلف طبقاته تاريخ بلاده، ومن هنا يفهم الشعب بلده ويقدرها حق قدرها، ويربط بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وجاءت الفترة التالية في حياة الرافعي متفرغاً فيها لتاريخ الحركة القومية لمصر الحديثة، بداية من أواخر القرن الثامن عشر، وكانت البداية مع " تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر " ويتضمن كفاح الشعب ضد الحملة الفرنسية.

وكان ظهور الجزء الأول لكتابته في التاريخ عام 1929، وجاء هذا الجزء يضم دراسة نظام الحكم في عهد المماليك والحالة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد قبل مجيء الحملة الفرنسية، ثم أسبابها ومقدماتها ووقائعها وأحداثها.


ثم تتابعت الأجزاء المشتملة على تاريخ مصر فأصدر الجزء الثاني في أواخر ديسمبر 1929، متضمناً تاريخ مصر القومي من إعادة الديوان في عهد نابليون إلى جلاء الفرنسيين، ثم ارتقاء محمد علي الكبير عرش مصر، ثم توالت إصداراته بعد ذلك فقدم "عصر محمد علي"، ثم "عصر إسماعيل"، ثم "الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي"، و"مصر والسودان"، ثم كتابي "مصطفى كامل"، و"محمد فريد"، ثم كتاب "ثورة 1919" وصدر عام 1946 في جزأين، ثم "في أعقاب الثورة المصرية" وجاء في ثلاث أجزاء وضم الأول تاريخ مصر القومي من نهاية الثورة وحتى وفاة الزعيم سعد زغلول، وأشتمل الجزء الثاني على تسلسل الأحداث من وفاة سعد زغلول وحتى وفاة الملك فؤاد الأول 1936، وأعقبه الجزء الثالث من صعود الملك فاروق عرش مصر وحتى عام 1951.


المناصب التي شغلها


شغل الرافعي خلال حياته العديد من المناصب نذكر منها اختياره وكيلا لنقابة المحامين 1939، وعين وزيرا للتموين في وزارة ائتلافية عام 1949، وتم اختياره نقيبا للمحامين عام 1954، كما كان عضواً بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ومقرراً للجنة التاريخ والآثار به.



مؤلفاته


قدم الرافعي العديد من المؤلفات منها أولى مؤلفاته عام 1912 "حقوق الشعب"، تبعه بكتاب أخر عام 1914 عن التعاون الزراعي وكان أول كتاب ظهر عن التعاون في مصر، ثم كتاب "الجمعيات الوطنية" 1922، ثم قدم مؤلفاته الهامة والتي أرخ فيها لتاريخ الحركة الوطنية في فتراتها المتعاقبة لمدة ثلاثين عاماً، فقدم مجموعة من الكتب في تاريخ مصر الحديث منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى وفاته، كما قدم كتاب "مذكراتي" في الفترة ما بين 1889 – 1951، "مجموعة أقوالي وأعمالي في البرلمان"، "بحث وتحليل معاهدة 1936".


الوفاة


جاءت وفاة الرافعي في الثالث من ديسمبر 1966، بعد حياة حافلة بين الوطنية والتاريخ، ويذكر أنه تم تكريمه فحصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1960.


وكان الرافعي قد تزوج من السيدة عائشة محمد المعايرجي وهي ابنة خاله عام 1920، وكان حينها في الحادية والثلاثين من عمره.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق